خريطة الطريق لحياة المسلم
خريطة الطريق لحياة المسلم

د. عثمان شهاب

أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية جاكرتا

 

خطط الإسلام خريطة الطريق (roadmap) لحياة المسلم وهي مبنية على العلاقات.

الأولى هي علاقة المسلم مع ربهه الخالق، وهي علاقة عبودية. وهذه العلاقة مبنية على قوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56). هذه العلاقة تفرضنا فرضين: أولاً: يجب أن تكون جميع أعمالنا اليومية مبنية على العبودية الصادقة والخضوع لله، وأن تكون مبنية على الإيمان الخالص البعيد عن الشرك. ثانياً: يجب أن يكون إيماننا بالله هو الأساس ليس فقط لأعمالنا الروحية، بل أيضاً لأنشطتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأكاديمية.

والثانية هي علاقة المسلم مع الآخرين من الناس وهي علاقة عدل وإحسان.  وعن هذه العلاقة قال تعالى في سورة النحل الآية 10: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاْلإِحْسَانِ وَإِيتَآئِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

والعدل واقامة العدالة هي من مهمات الرسل قالى الله تعالى: (لقدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (سورة الحديد 25). كما أن الله تعالى صور أهمية العدالة في سورة الرحمن  7, 8, 9 كاعمدة السماء (وَالسَّمَاۤءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيْزَانَۙ، اَلَّا تَطْغَوْا فِى الْمِيْزَانِ، وَاَقِيْمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيْزَانَ).

أما الإحسان فهو مفهومٌ شاملٌ وعالمي، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بـ"الجماليات الاجتماعية"، البعيدة عن الأخلاق الرذيلة والفساد وجميع أشكال انتهاك الأعراف الاجتماعية. ولذلك، لا يأمرنا الإسلام الإحسان فحسب، بل يأمرنا أيضًا بأمر الآخرين بالإحسان وجميع الأعمال الخيرية .

والثالثة هي علاقة المسلم مع الكون وهي علاقة تسخير. وعن هذه العلاقة قال تعالى في عدد كثير من الآيات في القرآن الكريم منها قوله في سورة ألجاثة 12-13: (اَللّٰهُ الَّذِيْ سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيْهِ بِاَمْرِهٖ وَلِتَبْتَغُوْا مِنْ فَضْلِهٖ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَۚ، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السَّمٰوٰتِ وَمَا فِى الْاَرْضِ جَمِيْعًا مِّنْهُ ۗاِنَّ فِيْ ذٰلِكَ لَاٰيٰتٍ لِّقَوْمٍ يَّتَفَكَّرُوْنَ).

فكلمة "سخر" سخَّر الشيء ذلله وأخضعه ويسره وسخر الله قوى الطبيعة في خدمة الإنسان. والتسخير في الجانب الإنساني يحتاج الى علوم  لمعرفة سنن الكون وتكنولنولوجية حتى يستطيع الإنسان خاصة المسلم الاستفادة من الموارد المسخرة في الكون. 

فكلمة التسخير غير الاستغلال واستغلال الناس الكون قد أدى الى الفساد، هذا ما أشار اليه تعالى في سورة  الروم 41، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ).

ظهر الاحتباس الحراري، والفيضانات المفاجئة، وفيضانات المدن، والانهيارات الأرضية، كلها نتيجة "طغيان البشر وكفرهم" من خلال أفعالهم الاستغلالية: استغلال موارد الأرض بشكل غير مسؤول، وإزالة الغابات، وبناء المنازل والمراكز التجارية مخالفًا للتخطيط المكاني والبيئي، وإغراق المساحات والهواء الطلق بغازات الدفيئة، والتلوث، وغيرها من الأضرار البيئية.

والرابعة هي علاقة المسلم مع الحياة وهي علاقة ابتلاء. وعن هذه العلاقة قال تعالى (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء: 35).

يُعلّمنا مفهوم الإيمان أن الله الرحمن الرحيم، وأن ما قدره لنا له دوافع ومقاصد حسنة. يجب أن نقبله بصدقٍ ونيةٍ حسنة، حتى وإن لم نفهمه في كثير من الأحيان، أو حتى شعرنا بأنه نقمةٌ وبؤس. يجب على المسلمين أن يقبلوا ذلك كله بقلبٍ مفتوحٍ وإيمانٍ سليم، لأن المعرفة البشرية محدودةٌ وأفكارنا فرديةٌ فقط، بينما علم الله واسعٌ لا حدود له، وتدبيره ومصيره عالمي.

والخامسة هي علاقة المسلم مع الحياة الأخروية وهي علاقة مسؤولية وجزاء. وعن هذه العلاقة منها قاوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شّرًّا يَرَهُ {الزلزلة 7-8}.

إن إيماننا بالثواب والعقاب في الآخرة يُصبح قوة دافعة لفعل الخير أينما كنا. وحينما نجعل الآخرة غاية الحياة، نستحق أن نكون أمة متقدمة، بل أكثر تقدمًا من الأمم الأخرى. لأن الإيمان بالثواب على الأعمال الصالحة يدفعنا إلى بذل الجهود والأعمال الحقيقية والإنجازات الحضارية التي لا حدود لها في الزمان والمكان.